د. سامان سوراني

في المشهد السياسي العراقي المتشابك، يبقى إقليم كوردستان حالة خاصة، لا لخصوصيته القومية والجغرافية فحسب، بل لأنه يعيش في تقاطع حساس بين الداخل العراقي، والتوازنات الإقليمية، والمصالح الدولية.

ومنذ تسلمه رئاسة حكومة الإقليم في عام 2019، وجد دولة رئیس الوزراء مسرور بارزاني نفسه في صدارة المشهد، محاطاً بتحديات مركبة، وملفات معقدة، لكنّه في المقابل بدأ في صياغة رؤية استراتيجية تقوم على الأمن، والتنمية، والدبلوماسية الاقتصادية.

لقد تسلّم السيد مسرور بارزاني الحكومة في ظل أزمات اقتصادية خانقة، تفاقمت بسبب خفض حصة الإقليم في الموازنة الاتحادية، والنزاع المزمن حول تصدير النفط، وانهيار أسعار الطاقة، ثم جائحة كورونا. وهي كلها عوامل كفيلة بشلّ أي منظومة حكم. ومع ذلك، استطاعت حكومته الحفاظ على تماسك مؤسسات الإقليم، واستمرار دفع عجلة البنية التحتية، في رسالة واضحة مفادهها: "أن الإقليم لا يُدار بردود الفعل، بل بخطط ممتدة رغم القيود".

وفي قراءة معمقة لما أنجزته الحكومة خلال السنوات الخمس الماضية، يمكن رصد توجه واضح نحو تحقيق السيادة الاقتصادية تدريجياً، من خلال إنشاء سدود استراتيجية لمواجهة أزمة المياه والتغير المناخي و تعبيد وتوسعة الطرق لربط أطراف الإقليم وتسهيل الحركة التجارية والزراعية وإنشاء معامل إنتاجية لتقليل الاعتماد على الاستيراد، وتحفيز القطاع الصناعي ودعم الزراعة عبر خطط استصلاح وتوفير البنى التحتية والتسويق وتنشيط السياحة كأداة دخل بديلة، وتعزيز الصورة الدولية للإقليم كمنطقة مستقرة وآمنة.

هذه السياسات ليست مجرد "مشاريع خدماتية"، بل تُشكل ملامح سياسة اقتصادية تعتمد على تعزيز الاستقلال المالي التدريجي، وربط الاقتصاد المحلي بالأسواق الإقليمية والدولية.

أما في المجال الدبلوماسي، فبعيداً عن الشعارات القومية أو الخطابات العاطفية، تبنّى السيد مسرور بارزاني دبلوماسية عملية واقعية، تقوم على تعزيز العلاقة مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، لا سيما في مجالات الأمن والطاقة. وقد قام ببناء قنوات تواصل استراتيجية مع دول الخليج العربي، من بوابة الاقتصاد والاستثمار و حافظ على علاقات عمل هادئة مع تركيا وإيران، مع تجنّب الانخراط في نزاعات الوكالة.

والأبرز هنا، هو إبرام عقد استثماري ضخم بقيمة 110 مليار دولار في قطاعي النفط والغاز مع شرکات أمریکیة كبری، ما يضع الإقليم الى خارطة الطاقة الدولية، ويمنحه أوراق قوة في مفاوضاته مع بغداد، دون التصعيد.

بالرغم من كل النجاحات التي ذکرناها، لا يمكن إغفال التحديات الداخلية، وفي مقدمتها الخلافات السياسية بين الحزبين الرئيسيين وغياب الثقة أحياناً بين المواطن والمؤسسة، بسبب قطع المیزانیة من قبل الحکومة الفدرالية و تأخر  رواتب  الموظفين أو غياب الشفافية في بعض الملفات. لكن يُحسب للسيد مسرور بارزاني أنه لم ينزلق إلى مسارات صدامية داخل البيت الكوردستاني،  بل استمر في الدعوة إلى الحوار والشراكة الكوردية – الكوردية كشرط أساسي لاستقرار الحکم و حل المشاکل العالقة مع بغداد بالحوار الدبلوماشي البناء.

ففي السياق السياسي الحالي، ومع اقتراب تشكيل الحكومة الجديدة، تبدو استمرارية السيد مسرور بارزاني في رئاسة الحكومة خطوة منطقية وضرورية، ليس فقط لضمان تنفيذ المشاريع المستمرة، بل لأن مشروعه السياسي والاقتصادي بدأ يؤسس لما يمكن تسميته "نموذج حكم كوردستاني متمايز" في العراق لا بل حتی في المنطقة.

قيادة تعلي من منطق المؤسسات، وتستثمر في الموقع الجغرافي والثروات، وتحافظ على الأمن الداخلي، وتتمسك بعلاقات خارجية متوازنة، هي ما يحتاجه الإقليم لعبور هذه المرحلة المفصلية من تاريخه.

 وختاماً، لا يقود  دولة رئیس الوزراء مسرور بارزاني حكومة عادية، بل يدير "تجربة سياسية خاصة" في منطقة مضطربة، ما يمنح قراراته أبعاداً تتجاوز الشأن المحلي.

ومع أن الطريق لا يزال طويلاً، إلا أن الأرقام، والمشاريع، والصفقات، والهدوء الأمني، كلها تشير إلى أن هناك مشروعاً يتبلور بهدوء، يقوده رجل دولة يعرف أن الحكم الناجح لا يُقاس بالصوت المرتفع، بل بالاستمرارية، والتخطيط، والقدرة على صناعة التوازنات الدقيقة.