فاضل ميراني
منذ سنة ١٩٩١ اشتغلنا على ازالة و تأهيل و بناء ما خربته منظومة السلطة منذ اعتمدت سياسة ضرب مغذياتنا ارضا و شعبا، كانت ضرباتهم الامنية و العسكرية و الاقتصادية و الاجتماعية من حيث التعليم و المنح و المنع غير مرتبطة بنظام بذاته، لقد اكمل النظام الذي كسرته حرب ٢٠٠٣ سابقات استخدام الدعاية و السلاح و المال و شق الصف في سبيل صياغة منطق هجين مادته التبعية لتفاعلات معدن الحكم الذي كان بدوره مشحونا بالاجتهادات التي تخالف نصوص برنامجه الحزبي.
خلال كل المواجهات و ما يسبقها او يزامنها او يلحقها من لقاءات، كنا نلمس الاساس الذي لا تخفيه المباني الادائية للنظام الذي ينطلق من مسلّمٍ لا يريد مراجعته و هو انه يمثل شرعية ثورية لا يمكن مسائلته او استبدال ادواته الرئيسية التي تضمن هيمنته و امساكه بكل الخيوط و ان الاخرين مشاركيون ان سمح لهم هو بالمشاركة.
نحن لم نجرح شخصا او نظاما لمعتقداته لكننا نحلل و نُشَرّح الظاهرة السياسية الادائية و التنفيذية، و نمتلك خبرات اثبت صحتها طول تعاملنا مع الانظمة خلال الثمان و السبعين سنة التي اعنيها في هذه الحلقات الاربعة.
كان مصطفى البارزاني قد شخص ما يريده الشعب الكوردي من امور خارج ما تريد ان تصنعه الانظمة، كانت قضايا بعناوين العدالة و السلم و المساواة و الحرية لها و بها تفصيلات لم تكن تروق الانظمة و المتخادمين مع الانظمة، اذ ان فكر البارزاني شأنه شأن اي فكر سيخلق انبعاثا للقوى الحقيقة المضغوطة في ادنى الطبقات، لابد ان تتصدى له الانظمة التي على شاكلة ما كان سائدا و لازال بعضه سائدا.
كان فكر و حراك البارزاني لا ينحصر حتى في رسميته ضمن اطر الحزب الديمقراطي الكوردستاني، ذلك ان البارزاني له نظرة غير مقيدة بكيان حزبي، كان الحزب يتحرك سياسة ضمن حدوده و عسكريا دفاعا ضمن تشكيلاته، لكن العمل الوطني و القومي و الاقليمي و الدولي، كان عملا غير تقليدي ابدا، اذ ان البارزاني حلل التفاوت بين حجم و ثقل التركة التي راكمتها سلطات حكم سابق و بين عامل الوقت و قوى السلطة العنيفة غير المدركة لخطورة سياساتها الداخلية و ارتباطتها الخارجية، ولذا اختار البارزاني ان يتحرك في اكثر من اتجاه دون القبول بشروط الخصم او القبول بالمفروض من منطق للمواجهة.
لم يختر البارزاني لغة معقدة في التوجه لشعب كوردستان لشرح مطالب الشعب و اداء السلطة، لم يتكلم البارزاني عن الخصم الا بما فيه الخصم و لم يتبع سياسة عرقية او مذهبية او حياء خصومات او تخليق عداوات.
كنا معرضين للقصف و الاغتيال و الاعتقال و التقديم لمحاكم خاصة، وكان البارزاني مغايرا لذلك الفكر و الاداء، كان مدركا ان التحايل و البهتان و التأزيم ليست من صفات الساعي بقضية عادلة.
كان البارزاني قريبا من كل المفاصل المجتمعية الحيوية، كان البارزاني ينظر للتعليم و الامن و المعيشة و تجنب المغامرة بمقدرات الاهالي شغله الشاغل، كانت قضايا التحصن و التحصين الشبابي و العمل الطلابي الجبهوي و واقع و مستقبل وجود المراة في المجتمع، و النقابات و الجمعيات و الاتحادات هي الاجنحة المؤثرة في خلق التواصل و الرأي العام لشعب لم يقبل ان يكون ملحقا بدرجة ثانية في دولة مأزومة السلطة.
لم تتمكن السلطات من الفوز بصراعها ضدنا و ان غطت على حسارتها دعائيا، ولقد فزنا خلال مراحل المواجهة و ان لم تصل اخبارنا للجميع، ذلك ان عدالة و واقعية مطالبنا و جهد عملنا و مطاولتنا، هي الكفيلة بترجيح كفتنا.
نحن لم نستثمر في تاريخ خصومات نتخذه حجة للاثراء او اجتثاث الاخرين، نحن لم نورط انفسنا او جمهورنا بمحاور او بمعادلات كسب للأخرين على حساب شعبنا و انفسنا، نحن نرفض فكرة فرض الرأي و التكاسر و انفاق المقدرات على ملفات لا تضيف شيئا لواقع حياة افراد شعبنا.
السادس عشر من آب هو عندنا يوم ارتبط بتشخيصنا لما سيؤول اليه اداء السلطة التي استقر في فكرها المفهوم الخاطيء للحكم، و لذا لم يتأخر النظام الجمهوري الاول عن ضرب شعبنا و مقارنا حيث لم تستمر عملية تأخير حقيقته اكثر من ثلاث سنوات.
من تلا ذاك النظام ربما كان اخف وطأة في الستينات لانشغاله بنفسه، ثم كان قبل نظام لاحق بعد الاخوين عارف، بعقد اتفاقية هي اذار المعروفة، لكن صاحب التوقيع الرسمي شرع بعمليتين لمحاولة اغتيال الملا مصطفى البارزاني و الراحل ادريس البارزاني، ومن ثم اختيار التنازل لشاه ايران، كل ذلك في تعبير واضح عن الذهنية ذات القصور في فهم الحكم الرشيد.
مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني.