Kurdistan Democratic Party

Renewal  .  Justice  .  Coexistence


 

في رحيق أربعينيته... وللقلم كالاشجار أرواح... الى الروح الخالد فيصل ديهاتي

آريان ابراهيم شوكت

أخي وصديقي ورفيقي الغالي فيصل ديهاتي: يعز علىَّ أن أكتب عنك وأنت  الغائب في ذمة الخلود لكنك لم تمت وفي ذكراك أفراح وأحزان . ستبقى فينا وفي قلبنا وأوصال روحنا وبيننا الى الابد . أيها الصديق والرفيق والعزيز  : ماأنت الذي تتكرر وما لفيصل ديهاتي اثنانُ . تذبحني معك كل التفاصيل اليومية في علاقتنا الاخوية والروحية كما تجلدني الدقائق والساعات ولحظات الفراق كقدح مكسور؟ أنا... أنا... في هذه اللحظة أحاول أن أكتب عنك بخربشة الاقلام البسيطة لأنك كنت تحب البساطة وأحاول التحدث بلغة العيون الماطرة التي تغمرني بالحب والحنان اليك دائما وأبدا دون أن أتبرأ من خيوط مفرداتي خلف أسوار اللغات لكنني الان في ورطة مع ذات الجمل وشكل المفردات و الكلمات . محاصر بين ألسنة الكلمات و رقص الكلمات ومأزق الكلمات وتعبير الكلمات في وصف مبدع ثائر على الحياة في وصف شاعر كتب بالقلم والسكين وكتب للحب والحنين وكتب عن داء الكتابة بكل مايملك من مواهب الكتابة والخطابة؟ هذا الجندي المجهول كان يزرع الحروف كما يزرع الرمان والاعناب مثل لؤلؤة جميلة لكنه تناثر أمام أعيننا في لحظة فارقة وتهشم فجأة كالمرايا صامتا بين الخيال واليقين وهو يسبح ضد غبار الزمن ويطير مثل العصافير خلف أشرعة السفن ويعزف فوق أهداب الكمان ويركض داخل الاوراق ويهتف في دفاتر الايام : تأريخي كله محنة وأيامي كلها كربلاء؟ كاتب وشاعر ورفيق ولد من رحم الشقاء وعنفوان الطفولة البريئة في قريته الصماء خلف أسوار أربيل العريقة بين الاصداف والرمال والشعر والازجال والامثال . كان  أخي المرحوم نعم الصديق الصادق الصدوق في صدقه وهو ينكش الفكر من الاعماق ويفرق بين ماهو عادل وماهو جميل؟ لاينحني ولايعرف النفاق . يميز جيدا بين الايديولوجيات المعلبة وبين روعة المبادىء؟ بين الطبلة والربابة؟ بين القيم الاصيلة والانتماء العفوي؟ بين الشرائع والانظمة بين الصوت الجهوري والصراخ والعويل؟ بين السنابل والامال؟ بين المشاعر الطبقية  والاستقراطية المستوردة؟ بين الادراك والشعور بين الافيون والخيال بين صلوات المٌصلين وعرق العمال بين الاحياء الراقية التي لايحاصرها الاحزان  والازقة الضيقة التي يحاصرها الخوف والاحزان ؟لذا فان لرحيلك يااخي في القلب طعنة صماء ليست لها شفاء؟ في ليلة الرحيل وكعادتك مثل كل ليلة جاءني هاتفك خجولا تسأل عني وتسألني : أخي آريان إنني أحيا ولكن ؟ وإنني أموت ولكن ؟ مامعنى أن يكون المرء على قيد الحياة؟ فأنا لا أرى نفسي لا في الحياة ولا في الممات؟ ... أخي فيصل :  أنا لازلت في الغرفة وأمام حيطان الغرفة باكيا و وجهك وروحك مازال متنقلا بين أرداف وزوايا الغرفة بين المرآة والستائر بين الجرائد والاقلام والاولاد من هول الصدمة مازالوا لايصدقون مايجري؟ ولا أدري أنا المصدوم ماذا أقول لهم؟ أللوجع الكبير أم للحزن الطويل سيكبرون؟ أم لاجل عطر البرتقال سيعيشون؟ بانتظارك أن تقرع الباب علينا وتخلع معطف الخريف وتنظر الينا باسما ومشرقا كعادتك وتشكو عذابك للخالق التواب الغفور الرحيم؟ لكن داخل الطقوس والنصوص وليس خارجها . الحزن المكتوم يذبحنا حتى الوريد والصبرٌ لاصبرَ له والنوم لاينام والدموع في الاحداق . وهذا أقل مايمكن أن نقدمه لك الان في ذكراك؟ . استاذي الفاضل : لقد نزل علىَّ خبر رحيلك كصاعقة في رأسي عندما أدركت فعلا أن الفارس قد ترجل على صهوة جواده وأن الريش قد سقط من جناح النسر ؟ وكنت أنا بين الضياع والسراب ؟ في بكاء ممزوج بالهذيان لأنني أنا السؤال وأنت الجواب كالفرق بين شعر صامت ورسم ناطق . إتصلت ولامجيب؟ آه ياآه ثم آه . أيرحل عني أخي فيصل بهذه السهولة؟! اليس بامكانه أن يخرج تحت رائحة التراب؟ وهكذا أدركت أن رحلة وقصة هذا القاص الغريب قد انتهت في دنيانا ؟عناء واشتياق وغربة واغتراب.. لكنك باق .. باق على الشفاه وفي مخارج الاصوات والحروف . أشعر بالاسى والاحباط لأنني لم أحظى بفرصة معرفتك قبل ثلاثين عاما وأربعين عاما لكي نشد الرحال كرحلة أدونيس ونصحح التاريخ والعادات والمسميات كحضارة وعافية . لكنك ذهبت أنت وظلت رغوة الشمس تزحف كجرح من الياقوت على ملامح وجهي لكني لاأحترف الندامة . حاولت استردادك ولم أفلح وسبحان الله فما يأخذه البحر لايعود أبدا وسُئِل علي كرم الله وجهه هل هناك شيء أعظم من الموت؟ قال نعم فراق الاحبة؟ أتذكر كل شيء ... كرسيك المهجور  . نظارتك الطبية . بخاخ الربو . حبوب الصيدلية وسمفونية شهرزاد لرينسكي كورساكوف والشيخ والبحر لارنست همنغواي ومذكرات ونستون تشرشل ورسالة الغفران للمعري والايام لطه حسين ...تُرى هل صحيح أن الرجال عندما يشربون لكي يدمنوا الخيال؟ ويهربوا من عذاباتهم ويقوموا باهداء السعادة الى حبيباتهم كأجمل وأغلى هدايا القدر  و.و.و.و...؟؟ وقد لايعرف المرء كيف يعيش في هذا الوطن! وقد لايعرف الانسان كيف يموت في هذا الوطن!؟...بدأت رحلتي الفعلية في التعارف مع الكاتب والاعلامي المتألق  فيصل ديهاتي عن طريق اللغة التي بها حاورنا والكتب التي بها طالعنا وقصائد الشعر والزجل التي حفظنا وحديثنا عن كل عباقرة العالم ممن كتبوا ورسموا ونحتوا وانهالوا على أنفسهم في لحظة من لحظات  الفكر كالوصايا العشر في الكتاب المقدس؟ شاءت الاقدار والتقينا دون ميعاد... وكان تعارفي مع المخضرم فيصل ديهاتي قبل أحد عشر عاما في بوابة الصحافة والاعلام 

 حينما تحدث لي الراحل بحرارة الواقع عن رحلة طفولته وبيته ورفاق حارته وعن كتبه وصوره وأصدقاء مسيرته أيام النضال السياسي كما تحدث لي عن كل ركن دافىء في حياته .

كان الكاتب والصحفي والاعلامي النشط فيصل ديهاتي والذي كتب و عمل بجد واخلاص خلال مسيرته الثقافية والاعلامية في كل من مؤسسة كولان  الاعلامية وصحف هولير وبرايتي ورامان و خبات وصحف ومجلات اخرى انسانا خلوقا ودودا مفعما بالتواضع . حسن التعامل . كثير الاطلاع عالي الثقافة . متحفظا وكعادته يكره المبالغة في القول .هاديء الطبع . معتدل الابتسامة وكثير التأمل؟ قليل السؤال كثير الاتصال والزيارة خاصة لمن تربطه معهم علاقة ود وصداقة واخوة حقيقية . رحل ديهاتي ومارحل من غردا وقد ترك لنا إرثا غنيا من المقالات وأعمدة الصحف والمجلات كرحلة الكتابة بين الشظية والشظية . فكان فعلا نعم الصديق ونعم الرفيق وإنه لم يمت . لم يمت من أحببناه في الزمان والشعر وأروقة الاعلام . والكتابة يسأل عن فارسه المعطر لكن مثلما قالوا : ماحاجة الخيل والفرسان قد ماتوا ؟

وتمر الايام لتكتمل الاسابيع والشهور  ولاتزال أنت تنقصنا أيها الحبيب من دار الدنيا الى رحاب الاخرة. رحمك الله يا أبا روزة و راستي.

-

-