Kurdistan Democratic Party

Renewal  .  Justice  .  Coexistence


 

الحزب الديمقراطي الكوردستاني... بين واقعية الشراكة وحلم التوازن في عراق مأزوم

مهند محمود شوقي

منذ أكثر من عقدين، والعراق يعيش في دائرة الأسئلة ذاتها: لماذا لم تنجح الديمقراطية في ترسيخ دولة عادلة؟ ولماذا ما زالت الشراكة بين مكوناته تبدو هشة رغم الدستور الذي وُضع ليحميها؟ في هذا المشهد المليء بالتحديات، يبرز الحزب الديمقراطي الكوردستاني كأحد الأصوات القليلة التي ما زالت تؤمن بأن الطريق إلى عراق مستقر يمر عبر ثلاث ركائز أساسية: الشراكة، التوازن، والتوافق. هذه المبادئ التي رفعها الحزب ليست شعارات انتخابية، بل خلاصة تجربة سياسية ونضالية طويلة قادها في إدارة الحكم داخل إقليم كوردستان وفي علاقاته المتشابكة مع بغداد.

منذ عام 2003، سعى العراقيون إلى تأسيس نظام ديمقراطي يعوّضهم عن عقود من الاستبداد، لكن التحولات التي رافقت بناء الدولة الجديدة كانت أعقد من قدرة النخب السياسية على استيعابها. فبدلاً من أن تُبنى المؤسسات على أساس المواطنة والمشاركة، تشكلت على أسس المحاصصة والانقسام، مما جعل الديمقراطية شكلية، والشراكة مجرد عنوان بلا مضمون. وسط هذا الواقع، حاول الحزب الديمقراطي الكوردستاني أن يكون صوت العقل السياسي الذي يدعو إلى إعادة التوازن بين السلطات، وإلى توزيعٍ عادلٍ للثروات والفرص بما يضمن استقرار البلاد ووحدة مكوناتها.

وفي قلب هذه الرؤية، كان الزعيم مسعود بارزاني أحد أبرز من جسّد فكرة الشراكة والتوازن بمعناها الوطني الواسع، لا الحزبي الضيق. فمنذ سقوط النظام السابق، لم يتوقف عن التأكيد على أن استقرار العراق لن يتحقق إلا عندما يشعر كل مكوّن بأنه شريك حقيقي في القرار السياسي، وأن احترام حقوق شعب إقليم كوردستان هو جزء لا يتجزأ من احترام حقوق كل العراقيين. لقد قاد بارزاني مراحل صعبة في العلاقة بين أربيل وبغداد، وتمسك دوماً بخيار الحوار والتفاهم، مؤمناً بأن القضايا الوطنية الكبرى لا تُحل بالقوة أو الإقصاء، بل بالتوافق والتوازن والمصالح المشتركة.

في إقليم كوردستان، نجح الحزب بقيادته التاريخية في تحويل هذه الرؤية إلى نموذج عملي. فخلال السنوات الماضية، استطاع الإقليم أن يحقق استقرارًا سياسيًا وأمنيًا نسبيًا رغم ما واجهه من أزمات اقتصادية وضغوط إقليمية. فقد عمل الحزب على بناء مؤسسات حكومية أكثر كفاءة، وأطلق مشاريع تنموية في مجالات البنية التحتية والتعليم والطاقة والاستثمار، كما رسّخ ثقافة التعايش السلمي بين مختلف المكونات الدينية والقومية داخل الإقليم. هذا النجاح لم يكن محليًا فحسب، بل انعكس إيجابًا على صورة العراق في الخارج، إذ قدّم كوردستان نموذجًا لإدارة الحكم المحلي في منطقة مضطربة.

وعلى الصعيد الوطني، كان الحزب الديمقراطي الكوردستاني ولا يزال من أبرز الداعمين لفكرة العراق الاتحادي، انطلاقًا من قناعته بأن الفيدرالية لا تعني الانفصال، بل هي ضمانة لبقاء العراق موحدًا وقويًا. وقد دعا مرارًا إلى حل الخلافات بين أربيل وبغداد عبر الحوار البنّاء لا الصراع السياسي أو الاقتصادي، مؤكدًا أن استقرار كوردستان هو مصلحة عراقية عليا. هذه الرؤية التي تبناها مسعود بارزاني مبكرًا كانت محاولة دؤوبة لإرساء علاقة متوازنة بين المركز والإقليم، تقوم على الثقة المتبادلة لا على منطق الهيمنة أو الإملاء.

لكن السنوات الأخيرة كشفت عن خلل عميق في بنية النظام السياسي العراقي، حيث تحولت الشراكة إلى حالة من التنافس والصراع، واختل التوازن بفعل سياسات مركزية أعادت إنتاج الاحتكار القديم بوجه جديد، بينما تآكل مفهوم التوافق تحت ضغط المصالح والتحالفات المؤقتة. في ظل هذا المشهد، ظل الحزب الديمقراطي الكوردستاني أكثر ثباتًا في مواقفه، داعيًا إلى تصحيح المسار الوطني على قاعدة احترام الدستور وضمان العدالة في تقاسم السلطة والثروة، من منطلق إيمانه بأن عراقًا بلا توازن هو عراق بلا استقرار.

لقد أثبتت التجربة السياسية للحزب داخل كوردستان والعراق أن الحكم الرشيد لا يقوم على القوة أو العدد، بل على الحكمة والعدالة. فالعراق، كما يراه الحزب، لا يحتاج إلى مركز قوي بقدر ما يحتاج إلى تفاهم حقيقي بين مكوناته، يضمن وحدة البلاد من خلال احترام خصوصياتها. فالشراكة ليست مجاملة سياسية، بل أساس لبناء الثقة، والتوازن ليس محاصصة، بل عدالة في تحمل المسؤولية، والتوافق ليس ضعفًا، بل نضج سياسي يدرك أن العراق لا يمكن أن يُدار إلا بروح الاتحاد لا بروح الغلبة.

فربما لا تكون رؤية الحزب الديمقراطي الكوردستاني مجرد مشروع سياسي، بل صرخة وعي من أجل عراقٍ يتسع للجميع، ويعيد الثقة بين أبنائه بعد سنوات من الانقسام والتعب. فالشراكة التي ينادي بها الحزب هي دعوة إلى المصالحة، والتوازن الذي يسعى إليه هو وعدٌ بالعدالة، أما التوافق فهو الطريق الوحيد لبناء وطنٍ يشعر فيه كل عراقي أنه شريك لا تابع، وصاحب حق لا ضيف في وطنه.