نوري بیخالي
في خضم التحولات السياسية التي يشهدها العراق، يبرز السؤال الجوهري: ما جدوى الحضور الكوردي الفاعل في بغداد؟ والإجابة تكمن في أن غياب أي مكون عن المشهد السياسي العراقي لا يعني غياب القضايا، بل يعني غياب الحلول.
إن المشاركة الكوردية في الانتخابات العراقية ليست مجرد التزام ديمقراطي، بل هي تثبيت للوجود وإعلان للإرادة. فالديمقراطية لا تمنح حقوقًا لمن يتغيب عن ساحاتها، والقرارات السياسية لا يصنعها إلا من يحضر على طاولة المفاوضات. الكورد، بوصفهم شريكًا أساسيًا في النسيج العراقي، لا يمكن أن يكتفوا بدور المراقب، بل يجب أن يكونوا صانعي قرار فاعلين.
التاريخ يعلمنا أن الغياب يورث التهميش، والحضور يصنع التأثير. بغداد، العاصمة السياسية للعراق، هي المكان الذي تُرسم فيه السياسات وتُوزع الموارد وتُحدد مصائر الشعوب. وبما ان القرار السياسي يصنعه من يشارك لا من يقاطع، لذا أن الحضور الكوردي القوي في المؤسسات الاتحادية يعني المساهمة الفعلية في رسم مستقبل البلاد، وضمان حقوق الإقليم، وتحقيق التوازن المطلوب في القرارات المصيرية..
العراق بلد تعددي بامتياز، ونجاحه مرهون بقدرة مكوناته على التوافق والشراكة. الكورد، بخبرتهم السياسية وتجربتهم الديمقراطية في الإقليم، يملكون ما يؤهلهم لأن يكونوا عنصر توازن واعتدال في المشهد السياسي العراقي. مشاركتهم الفاعلة تعزز ثقافة التوافق وتحمي البلاد من مخاطر الاستفراد بالقرار.
ومن هنا تبرز أهمية التزام الدولة العراقية بمبادئ المشاركة والتوازن والتوافق وضرورة ترجمة الشعارات إلى سياسات فعلية، وذلك من خلال احترام الحصص والتمثيل العادل وتنفيذ المواد الدستورية والتأكيد على أن الشراكة الحقيقية واجب دستوري وليست منّة. وهذا يعني بأن المشاركة الكوردية يجب ان تقابلها مسؤولية الدولة في احترام أسس التعددية والشراكة الوطنية.
إذن، إن جدوى الحضور الكوردي في بغداد تتجاوز المصلحة القومية الضيقة إلى المصلحة الوطنية العليا. فالعراق القوي هو العراق الذي يحترم تعدديته ويوظف طاقات جميع مكوناته. والكورد، بمشاركتهم الواعية في الانتخابات وحضورهم الفاعل في المؤسسات، لا يثبتون ذاتهم فحسب، بل يسهمون في بناء عراق ديمقراطي متوازن قائم على المواطنة والعدالة والشراكة الحقيقية.