Kurdistan Democratic Party

Renewal  .  Justice  .  Coexistence


 

الارهاب القادم من العراق ... معاني و دلالات

 

*عبدالله جعفر كوفلي

في خبر ليس بالمعتاد عند المختصين واصحاب الشأن حيث حذرت وزارة الخارجية الامريكية, من امكانية ظهور جماعة ارهابية جديدة على مستوى العالم، وتبدأ ظهورها من الوحل العراقي عندما لا تقوم الحكومة العراقية بالاصلاحات الجذرية في المجال الاقتصادي والسياسي والاجتماعي .

وعلى نفس المنوال قال المستشار البارز في الوزارة نفسها (دوكلاس بادغيث) يوم السبت 4/8/2018 في معهد (هدسون) بواشنطن عند مناقشته والسؤال عن احتمال ظهور الارهاب بلباس جديد قال: (ان منظمة ارهابية على شاكلة داعش قد تظهر في العراق على الرغم من هزيمتها عسكرياً، ولكن الظروف السياسية والاجتماعية والثقافية وانعدام المصالحة وعدم المساءلة كفيلة بأرجاعها مرة اخرى .

ان التصريحات الامريكية المتكررة من جهات متعددة بأن الارهاب بزي جديد سيظهر في العراق يمكن ان يكون خبراً صحفياً واعلامياً عند الكثير، ولكنه ليس بذات الشكل عند المراقبين والمتابعين للواقع العراقي والجماعات المتطرفة، بل ان هذا التصريح يحمل بين جنباته العديد من المعاني والدلالات، وهو قابل للتحليل والتمحيص للخروج بنتائج تستند على التجربة والتدقيق المستمر لملفات الجماعات الارهابية التي تشترك في الاسلوب والاهداف وتختلف في التسميات لتظهر في كل فترة ومرحلة بأسم جديد اكثر فتكاً وأعم رعباً واشمل دماراً من ذي قبلها.

ومن هذه الدلالات والمعاني :-

    ان ظهور الجماعات الارهابية المتتالية من عدمها تكون وفقاً للمصالح الدولية، وهي التي تحركها، أي ان الارهاب بات وسيلة واداة لتحقيق اجندات دولية، وان خير دليل على ما نذهب اليه هي اتهام الدول لبعضها البعض بالدعم وإيواء العناصر الارهابية واستعمالهم وفق ما تشتهيه أهدافهم، وان كان ثمنها حياة الابرياء ودمائهم وتشريدهم وتدمير المدن واضعاف سلطات الدول او انهاءها، واكثر الاتهامات المتبادلة هي, بين امريكا وايران المتخاصمين المشتركين .

    ان هذا التصريح الوزاري يبين قدرة الاجهزة الاستخبارية الامريكية على جمع المعلومات وقوة اختراقها للمنظمات المعادية لها، بل وانها تتنافس في الحصول على المعلومات قبل غيرها، ويمكن ان نقول بأن جهاز الاستخبارات المركزية (CIA) تعمل كدولة داخل دولة امريكا وتلعب اللعبة الكبرى وترسم حدود الخطة الاستراتيجية الامريكية في الشؤون الخارجية، وله باعاً طويلاً في منطقة الشرق الاوسط وتتدخل في شؤنها بشتى الاساليب.

    ربط التصريح الامريكي عدم ظهور الجماعة الارهابية الجديدة باسباب تكون مستحيلة التنفيذ في العراق من اجل اجهاض عملية ولادة هذه الجماعة ومنها القيام باصلاحات سياسية واقتصادية والقضاء على الفساد الاداري والمالي وانعدام المصالحة، أي انها حددت المشاكل التي يعاني منها العراق وجعلت منها الحاضنة المناسبة لنمو الارهاب بزي جديد كما ظهرت (داعش) من تحت انقاض القاعدة التي كانت تطعمها الطائفية والاقصاء والتهميش السياسي لمكون معين. وان استحالة معالجة هذه الازمات والمشاكل تعجل من ظهور المولود الجديد الذي سيرضع من ثدي امه التي كادت تفارق الحياة وتغرب شمسها ليكمل المولود مشوار من سبقوه وان كان مختلفاً عنهم بالاسم، فالعراق بات المنبت المناسب والتربة الخصبة لتبدأ بذور الارهاب الجديد دورتها الحياتية فيها، لذا فقد خص التصريح دولة العراق دون غيرها .

    ان اتهام امريكا المتكرر لإيران بدعم الارهاب وادارة الجماعات الارهابية في شرقها وغربها، فإن التصريح يأتي ضمن هذه السلسلة وان كانت بصورة غير مباشرة وربما يكون التصريح جزءاً من الحملة الامريكية الاخيرة ضد ايران بعزلها سياسياً وتدميرها اقتصادياً واضعاف دورها في المنطقة وتشويه صورتها في العالم الخارجي وبالتالي حمل ايران على الرضوخ لارادتها والقبول بشروطها او الجلوس معها على المستديرة كما فعل مع كوريا الشمالية، ولكن يبقى الباب مفتوحاً لكل الاحتمالات مع الفارق الكبير بين كوريا الشمالية وايران من حيث القوة والنفوذ .

    هذا التصريح يؤكد ضرورة استمرار الوجود الامريكي في العراق لأن الارهاب من اكثر الاسباب التي تنادي بها امريكا وتدفعها مبرراً لوجودها في المنطقة بصورة عامة، لذا فإن اطلاق هذه التصريحات تجعل من الوجود الامريكي امراً لازماً ومهماً لحماية المنطقة والعراق من تداعيات الارهاب الجديد .

 

و اخيراً على الحكومة العراقية والكوردستانية واجهزتها الامنية ان تأخذ التصريح بجدية وان يستعدوا لمحاربة الجماعة الجديدة التي ستحمل ادوات واساليب جديدة لتنفيذ برامجها الى حين ولادة جديدة والذي نتمنى ان تكون هذه الجماعة عقيماً لا تلد وتنتهي الى الابد.

 

*ماجستير قانون دولي