Kurdistan Democratic Party

Renewal  .  Justice  .  Coexistence


 

لمن تقرع الأجراس في كوردستان؟

بقلم: سـربسـت بامـرني

(نشرت هذا المقال قبل عشر سنوات بالتمام والكمال في ايلاف الغراء بتاريخ 15/11/2007 واعتقد ان جريدة التآخي الغراء أعادت نشره مرة اخرى، وها انا ذا اعيد نشره فما اشبه اليوم بالبارحة وما قبلها، ومع موقف الدولة العراقية الاتحادية حاليا أتساءل: الم يصبح من الضروري اعادة النظر في بعض المسلمات التي امنّا بها وكافحنا من اجلها وكلفتنا الكثير من الأرواح والأموال وعذابات لا تعد ولا تحصى؟ وانه ان الأوان لأحزابنا وكتلنا السياسية ان توحد جهودها ونضالاتها من اجل هدف محدد يتمثل في كوردستان المستقلة؟).

في الوقت الذي تقف فيه البشرية على أعتاب القرن الواحد والعشرين، ويتنامى الشعور العام بضرورة احترام إرادة الإنسان وحقه في التمتع بالحريات الأساسية، وإذ يخطو العالم خطواته الخجولة الأولى في عصر ما بعد العنف، مدشِّنا عصر الحوار والتفاهم وحل المشاكل بالطرق السلمية، تحظى المسألة الكوردية لأول مرة في تأريخها، بالحد الأدنى من الاهتمام اللائق بها، كقضية شعب يتعرض مباشرة ولأكثر من قرن، لصنوف من الاضطهاد والعنف المنظم والظلم اللامحدود.

إن إلقاء نظرة سريعة على التأريخ القريب يؤكد انه لم تمر عشر سنوات إطلاقا في المائة سنة الأخيرة دون مذابح وجرائم قتل جماعية ودون ثورات وانتفاضات مستمرة، فثورات البدرخانيين 1842، 1879، 1889، وثورة الشيخ عبيدالله النهري 1880، ثورة إبراهيم باشا 1908، انتفاضة بـوتان 1915، ثورة الشيخ سعيد بيراني 1927، ثورة الشيخ محمود الحفيد 1930، ثورتي بارزان الأولى والثانية 1939-1945، ثورة مهاباد 1946، ثورة أيلول 1961-1975، هي غيض من فيض الانتفاضات والثورات الكوردية المستمرة التي إن أكدت في جانب منها على مدى تعلق الشعب الكوردي بالحرية والعدالة، فهي تؤكد أيضا على ان اللجوء إلى العنف بكل أشكاله وأساليبه ابتداء من السيوف والرماح وانتهاء بالصواريخ واستعمال الأسلحة الكيماوية والبيولوجية بقصد الإبادة الجماعية، لم يؤدِ إلى إخماد لهيب النضال الوطني الكوردي كما هو واضح، ولا إلى حل المسألة الكوردية كمشكلة قائمة، إنما على العكس كلف كل الحكومات التي تقتسم كوردستان ثمنا باهضا، سواء على الصعيد السياسي وسمعة هذه الدول في مجال احترام حقوق الإنسان، أو على صعيد التنمية الاقتصادية والاجتماعية داخل بلدانها، وفي وقت هي في أمس الحاجة إلى هذه التنمية، ولم يزيد اتهام الحركة الوطنية الكوردية بالعمالة والانفصالية والارهاب إلا تعقيدا، فمدلول الإرهاب يأخذ بعدا آخر عند الذي يقتل ولده أمام عينيه وتغتصب زوجته وابنته ويحرق منزله وحقله وينتقل في احسن الأحوال إلى السجون التي تجرب فيه آخر تقنيات التعذيب الجسدي والنفسي!! هذا إذا قدر له ان يعيش.

لقد أصبح من الضروري والمجدي وضع النقاط على الحروف، ليس فقط من اجل الدفاع عن شعب كوردستان وعدالة قضيته، وإنما أيضا من اجل المصالح الاستراتيجية المشتركة لشعوب المنطقة وفي مقدمتها مصالح الشعب العربي الشقيق، الذي تتعرض مصالحه القومية العليا وأمنه الاستراتيجي لأكثر من تهديد جدي، في نفس الوقت الذي يكاد أن يخسر فيه صداقة شعب عريق كالشعب الكوردي نتيجة التجاهل المتعمد واللامنطقي للمسألة الكوردية، وكأن لسان حال بعض الأنظمة والاحزاب السياسية، تقول: الكوردي الجيد هو الكوردي الميت!!!

لقد جاءنا الاخوة العرب قبل حوالي خمسة عشر قرنا ليدعوننا إلى الإسلام السمح، وكان ولايزال حريا بأحفادهم أن يقفوا إلى جانب هذا الشعب المسلم، الذي لم يقدم للإسلام والعروبة فقط رجالا من أمثال أبو مسلم الخراساني وصلاح الدين الأيوبي، بل أيضا مئات الكتاب والفقهاء والشعراء وحتى اللغويين الذين اغنوا اللغة العربية وقدموا مساهمات جليلة في خدمة الحضارة الإسلامية، أمثال الشهرزوري وابن قتيبة الدينوري وابن الأثير والامدي وشوقي والزهاوي…الخ، ولعل من المفيد أن نذكر أن من النادر وجود كاتب أو أديب أو شاعر كوردي خلال هذا القرن لم يتغن بفلسطين والمقاومة الفلسطينية، ولا يوجد حزب واحد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، لم يقف إلى جانب النضال الفلسطيني باعتباره القضية الإسلامية والعربية المركزية، مئات من الشهداء الكورد سقطوا دفاعا عن تل الزعتر وبرج البراجنة وبيروت، ولكن المقاومة الفلسطينية وهي تغادر بيروت أعلنت على لسان قادتها أنها لم تخسر سوى (60) مقاتلا، ونست مئات الكورد الذين سقطوا دفاعا عن عدالة القضية الفلسطينية، حتى الشاعر محمود درويش ، الذي كان في بداية الستينات قد قال قصيدة يتيمة في كوردستان، تبرأ منها أمام حشد من الكتاب والأدباء العرب والكورد في مؤتمر المـاتـا عام 1972 ولم ينشرها في أي من دواوينه المطبوعة.

نصف قرن ولم تبرز إلا بضعة أصوات نادرة تدافع عن شعب كوردستان، امثال الخالد الذكر الجواهري وهادي العلوي وشقيقه حسن العلوي وفهمي الهويدي وشاكر النابلسي، ورسميا كان الرئيس القذافي وحيدا، قال فيه الإعلام العنصري بسبب تصريحاته المؤيدة للنضال الكوردي، مالم يقله مالك في الخمر!!!

نصف قرن وحرب الإبادة العنصرية مستمرة في أجزاء كوردستان، ولم يتبرع حتى ولا مواطن عربي بالانضمام لأشقائه الكورد، عدا الشيوعيين العراقيين!!!

نصف قرن ونظاما عربيا واحدا لم يعلن تأييده للمطاليب الكوردية العادلة صراحة، بل لم يستنكر حتى الجرائم المروعة التي تقترف بحق هذا الشعب!!!

هذا في الوقت الذي كان التأييد العربي للشعب الأفغاني على سبيل المثال، من القوة والحماس بحيث ظهرت المجموعات التي تسمى ب (الأفغان العرب أو العرب الأفغان)، كما استشهد مئات أخرين في الدفاع عن البوسنة، حسنا فعل الاخوة العرب، ولكن ألم يكن الشعب الكوردي يستحق بعضا من هذا التأييد، والإسلام أوصى بالجار، وأي جار، بكل تأريخه المشرف الناصع في خدمة الإسلام، وبموقعه المهم الذي يحد الوطن العربي من الشمال والشمال الشرقي ويمكن أن يكون عمقا استراتيجيا للامة العربية؟.

إن سرد الأمثلة عن التجاهل المتعمد للمسألة الكوردية لا تعد، ربما آخرها كان موقف الأنظمة العربية عام 1992 من الهجرة الجماعية لثلاثة ملايين مواطن كوردي في اعقاب حرب الخليج الثانية  وعودتهم إلى كوردستان العراق، حيث تقاطرت مئات المنظمات الإنسانية على كوردستان لتقديم العون والمساعدة، مسيحيون، يهود، بوذيون،…ملحدون، من مختلف أنحاء العالم، ولم تكن هناك أي منظمة إنسانية عربية، عدا هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية التي يعتقد الكثيرون أن الفضل في وجودها يعود إلى هيمنة الإخوان المسلمين على إدارتها، والسؤال هو: أين كانت اتحادات الطلبة والنساء وجمعيات الفلاحين ونقابات العمال والمحامين والصحفيين من المغرب العربي حتى مشرقه، اين كانت منظمات الهلال الأحمر، بل حتى أين كانت المؤسسات المخابراتية العربية!!!

إن تجاهل حقوق هذه الملايين الكوردية، ليس فقط ضد المصالح الاستراتيجية للامة العربية وإنما يعود بأسوأ العواقب على المنطقة برمتها، خاصة لما لحل هذه القضية ، حلا عادلا، من أهمية كبرى، فبدون هذا الحل لا يمكن للامة العربية أن تضمن عدم ظهور تعقيدات تهدد مصالحها الأساسية، ولا يمكنها أن تمنع المزيد من التدخلات الإقليمية والدولية التي ليست بالضرورة لصالح شعوب المنطقة، هذا إذا لم تكن ضدها مباشرة، وكلما سارعت الأطراف المعنية بإيجاد حل سلمي ديموقراطي للمسألة الكوردية، كلما جنبت المنطقة والشعب الكوردي المزيد من الويلات والدمار والتخلف، خاصة والحركة الوطنية الكوردية عبرت مرارا عن استعدادها للدخول في مفاوضات سلمية، والكورد في العراق بالذات، لم يتركوا أي فرصة لم يلجأوا فيها إلى الحوار، ولكنه كان دائما حوارا مع الذئب المفترس ولم تصدق الدولة معهم ولا حتى في مناسبة واحدة، كما لم يدين أي صوت عربي أو إسلامي موقف الدولة المتعنت هذا، رغم أن ( وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله – الحجرات ) .

ألم يحِنِ الوقت كي يفيء الجميع إلى أمر الله سبحانه وتعالى، في ضوء معطيات وتجارب المائة عام الأخيرة، التي أثبتت بأنه من المستحيل إلغاء الوجود الكوردي، بكل تراثه الحضاري وبحركته الوطنية الناشطة، التي تزداد يوما بعد يوم تنظيما وقوة وتكسب المزيد من الأصدقاء والتأييد العالمي، خاصة وان ما يطالب به الكورد ليس إلا العدالة والمساواة وحقهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم والاتحاد الاختياري النابع من الإرادة الحرة، إن تجربة كورد العراق هو خير دليل لما سبق.

الكثير من الكورد الذين وضعوا كل البيض الذي عندهم في سلة الإسلام والتآخي العربي الكوردي، يشعرون بأسى عميق وبخيبة أمل مريرة وهم يرون ويلمسون هذا التجاهل المر المؤلم لعدالة قضيتهم، خاصة وان هذا التجاهل لا يصب في مصلحة أي طرف، ولعل أحداث السنوات الأخيرة خير دليل على ذلك لمن يريد أن يفهم، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة، هو: ألم يحن الوقت لوضع حد نهائي لهذا التجاهل للمسألة الكوردية؟؟؟

إن الشعب العربي الشقيق، يكاد أن يخسر فعلا وبسرعة قاتلة صداقة الشعب الكوردي، دون أي مبرر، اللهم إلا إذا كان من اجل بضعة آبار من نفط كوردستان العراق توشك أن تنضب، في الوقت الذي تشهد المنطقة فيه حضورا جديدا وقويا لشعب كوردستان، وليس سرا أن الأجيال الجديدة المنبعثة من الأزقة الضيقة أطراف المدن الكبرى، حيث تم تهجيرهم من قراهم وديارهم، لا يستطيعون أن يستوعبوا هذا التجاهل لآلام شعبهم في نفس الوقت الذي يرون فيه تأييد الأنظمة العربية، لشعوب أخرى في أجزاء مختلفة من عالمنا، دون أن يكون لها أي رابطة تاريخية أو دينية أو حتى مصلحيه بهذه الشعوب والأقوام.

لقد أصبح ثمن العنف المنظم والتطرف والتعصب والاستعلاء القومي الكريه معروفا، فهل تجرب الأطراف المعنية ولو لمرة واحدة، فضيلة اللجوء إلى الحوار والتفاوض والمجادلة بالتي هي أحسن؟؟

إن هناك أكثر من دليل على أن الأجراس التي تقرع في كوردستان نتيجة خيبة الأمل المريرة لدى الأغلبية الساحقة، تحذر من أن فرص الحوار والحلول السلمية قد تكون بعد مدة قصيرة، قليلة جدا، فهل من يسمع؟

sbamarni@hotmail.com