Kurdistan Democratic Party

Renewal  .  Justice  .  Coexistence


 

إرادة الشعوب بين الحقيقة و المصالح


عبدالله جعفر كوفلي

من سنن الله تعالى في خلقه جعلهم شعوباً و قبائل و وزعهم وقسمهم،  ليتعارفوا ويتصالحوا ويتسامحوا ولا يتصارعوا ويتحاربوا ويتقاتلوا يسفكون الدماء ويفسدون الارض، واكرمهم وأعزهم وأحبهم الى الخالق أتقاهم وأبرهم وأنفعهم، وان الناس سواسية كأسنان المشط في الحقوق والواجبات، وكل شعب له إرادة وعزيمة وروح المقاومة والتصدي من اجل حقوقهم ودرء الاضرار والتهديدات عنهم، ومن الشعوب ضربوا اروع الامثلة في الثبات وقوة الارادة حتى نالوا وحققوا اهدافهم بعد سيل الدماء وتقديم النفيس والتضحية بالروح و المال. إنّ لإرادة الشعوب قوة وصلابة لا يستطيع فهمها من تربى في الذلّ والخنوع، وإنّ لانتصار إرادة الشعوب معنى لا يستشفه من عاش كالأيتام على مأدبة اللئام، يقتات مما يلقيه إليه سادته من فتات، أي أنها لا تعرف الخضوع والركوع والاذلال أمام مؤامرات الاعداء ومصالحهم.

   قد قيل وكتب الكثير عن ارادة الشعوب ولا يكاد يخلو اعلان عالمي او اقليمي لحقوق الانسان او ميثاق منظمة او جمعية او مجلس دولي او اقليمي او دستور دولة او دين سماوي او ارضي، إلا وينص على ضرورة احترام ارادة الشعوب وتطلعاته في تقرير مصيره، بل وجعلوا من ذلك مبادئ سامية و قواعد متينة لبناء الحياة و الديمقراطية والتمدن وتحقيق المساواة.

ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هل باتت إرادة الشعوب على ما كانت عليه وما قيل عنها امام المصالح الدولية؟  ام ان تلك المصالح تحدد للشعوب ارادتها وحقوقها  ومسارها وتقف بالضد منها اذا تقاطعت معها او وقفت في طريقها؟ القصد مصالح الدول الكبرى بالطبع.

تدلنا الاحداث التاريخية بأن مصالح الدول العظمى التي تمتلك القرار وتلهث وراءها هي التي تحدد إرادة الشعوب وتدعمها او ترفضها وليس العكس، وتجعل هذه الدول من الاعلانات العالمية لحقوق الانسان والمنظمات الدولية إطاراً شرعياً و قانونياً لتأمين مصالحها وفي أروقتها تضمحل الارادة وتتجمع الغبار عليها في رفوفها ويكون جزءاً من الماضي المرير لتلك الشعوب.
ولنا من الامثلة عديدة، فإرادة الشعب الكوردي نسفت و ضربت عرض الحائط امام مصالح الدول العظمى في اتفاقية سايكس بيكو وانقسم وطنه الى اجزاء اربعة ربطت عنوةً بالدول، وكذلك في عام 1975 ابرمت اتفاقية الجزائر المشؤومة لضرب ارادة الشعب الكوردستاني في التمتع بحقوقه ووقفت المنظمات والمجتمع الدولي برمته صامتاً و مكتوف الايدي امام عمليات الانفال و ضرب الشعب الكوردي بالكمياوي المحرم دولياً بحجة احترام سيادة دولة العراق وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وعندما قرر الشعب الكوردستاني اجراء الاستفتاء في 25/9/2017 للتعبير عن ارادته وتحديد مسار حياته وما ان تم اعلان النتائج حتى ثار الاصدقاء قبل الاعداء ضدهم وعقدوا الاتفاقات تلوا الاتفاقات و وقفوا بالضد منه سياسياً واقتصادياً وتدخلوا عسكرياً حتى اضطرت حكومة الاقليم الى تجميد نتائجها من اجل الحوار و التفاوض و حكومة بغداد لا تزال تفرض شروطاً و شروط.

واقليم كاتلونيا الاسباني هي الاخرى قررت مصيرها بالاستفتاء في قلب الديمقراطية المزيفة وبعد اعلان نتائجها ثار الثور الاسباني بدعم الدول المتقدمة اضطر رئيس الاقليم الى الفرار و امتلئت السجون بمؤيدي الاستفتاء لانها لم تكن في كفة ميزان المصالح..

اذن خلاصة القول ان المصالح لا تعرف للشعوب ارادة اذا ما تعارضت معها وتكون كفة المصالح هي الراجحة في الميزان، وعليه فإن ارادة الشعوب يجب ان تكون موازية لمصالح الدول العظمى وإلا سيكون مصيرها المحاربة والمقاطعة وفك قيود الاعداء عليها للافتراس وتمزيق جسدها وفقاً لمطامعهم و لايهمها سفك الدماء والتدمير والخراب ونداءات الاغاثة وهذا هو القدر.