شيخ زيدو باعدري

مثلما تستطيع جرثومة واحدة بالرغم من صغرها أن تفتك بالجسم، استطاع الداوعش أن يبسطوا نفوذهم وأفكارهم الإرهابية في انحاء العالم، وهنا لسنا بصدد إحصاء جرائمهم لكننا مضطرين إلى ذكر نماذج من ذلك لكي نستطيع أن نسلط الضوء على مدى خطورتهم على الجميع دون استثناء... يتفق أغلبية الخبراء العسكريين والمحللين السياسين أن إرهاب داعش لن ينتهي بالضربات العسكرية، وإن القضاء على هذه العصابة الإجرامية ليس من مسؤولية البيشمركة والجيش وطائرات الغرب فقط، وإنما مسؤولية كل شخص يمتلك حساً إنسانياً بدءاً من المواطن وانتهاء بالمنابر الإعلامية المؤمنة بالتعايش السلمي والإخاء البشري أينما وجد لكي تنجح بعملية حصانة وحماية العقول ونبذ العنف والتطرف... وبما أن حفظ واستقرار أمن الإقليم مسؤولية الجميع فمن الطبيعي ان يعمل الجميع على مكافحة الفكر التكفيري وعدم السكوت لاتباعه ومموليه والمتعاطفين معهم بلعب أي دور بعقول الصغار والمراهقين والبسطاء من المواطنين.
ولابد من تحصين وتسليح الجيل الجديد القادم بثقافة التسامح وقبول الآخر والتعايش السلمي مع جميع الفئات في ظل احترام القوانين والإحتكام اليها واعتبارها السلطان الأعلى، وعلينا ان نكون جنداً للتنفيذ بغض النظر عن الأعراق الدينية والمذهبية والقومية واللون والجنس، هكذا نستطيع بناء الحضارة والتطور بعكس التشدد والطائفية، فالطائفية والتعصب والتشدد والغلو بكل انواعه هي التي تدمر المجتمع وتصنع الداوعش واخوانهم المخفيين في الخلايا النائمة وتولد الإرهاب ملغية المنطق وزارعة بذور الكراهية والحقد الشوفيني. هؤلاء لا يعرفون سوى لغة الدم والسيف والرعب والغزو والنهب والأغتصاب القسري وغيرها من الأعمال الشنيعة. عصارة القول إن الأساس الصلب في فهم صعود( تنظيم الدولة الإسلامية وحوش العصر )وأتباعهم يكمن في أنها الابن الشرعي للقساوة في المجتمعات البدوية المتخلفة التي كانت تديم حياتها من الغزوات والغارات على الشعوب والقبائل المجاورة لها ونهب ممتلكاتها من المواشي وسبي نسائها واسر رجالها واستخدامهم عبيداً وجاريات وبيعهم في اسواق النخاسة، وانعكاسا صادقاً لطبيعة الانفجارات الخطيرة التي تحدث بداخل العديد من المجتمعات التي يتمخض عنها أزمات ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية مركبة. في الأوساط الثقافية والسياسية يطلقون على هذه المجاميع الأصولية المتشددة (الراديكالية ) المستعملة بكثرة في الغرب، وهي من اصل لاتيني وتعني الأصل أو الجذر. وأبسط تعريف لهذا المصطلح المتداول يومياً في جميع المنابر هي التعصب والتغلب والإصرار على السلوك القديم، كما هي نسخة طبق الأصل دون تجديد، بل محاربة كل ما هو حديث. الغريب في هذه الظاهرة هو الإفتخار والسرور بهؤلاء الطغاة رغم أننا بعصر العولمة، هناك من يقع في غرام نظرية المؤامرة والتهم المفصلة الجاهزة. العرب السنة يقولون أنها من صنع إيران، أما العرب الشيعة المتدينون فيقولون أنها صنيعة السعودية وقطر وتركيا،،
المسلمون نصف المثقفون يعتبرونها من صنع الغرب عامة، امريكا واسرائيل خاصة، هناك أكثر من قصة ورواية مفبركة، مزورة، سخيفة وبنظرة بسيطة إلى الجانب الأيديولوجي والفكري..يتبادر الى اذهاننا السؤال التالي: أليست أفكار هذا التنظيم منبثقة من ميراث فقهي تاريخي وخطاب دموي سائد متداول يقوم على منطق الطائفية والمذهبية وعدم الاعتراف بالتعددية السياسية؟ وأخيراً وليس آخرا هناك أشياء غير قابلة للنقاش كموقف داعش من الأقليات الدينية ولا يستثنى منها المرأة والطفل، وهكذا يكون خطراً على البشرية قاطبة.
مواجهة فكر داعش الخبيث يجب أن يكون بفكر مستنير منفتح يتقبل الآخر ويتعايش معه ويدعو الى السلام ويحرم سفك الدماء ويحفظ الأعراف ويوجه بوصلة الطاقة الإنسانية لإنجاب الخير ويساعد أخوه أينما كان. وحقيقة إجماع الكل على إطلاق مصطلح (الراديكالية) هو التشابه الكبير بين ايديولوجية داعش والأخوان والقاعدة وطالبان وحماس والنصرة، وفرق الموت الحتمي.
بنظرة سريعة نجد أن اعشاش هذه النظريات انبثقت من المساجد غير المرخصة وبتمويل من أموال الزكاة والتبرعات، ونحن ككورد من أكثر شعوب المنطقة تضرراً من هؤلاء ودفعنا ثمناً غالياً، ففي اول الأمس استهدفوا البارزاني الخالد والأمس القريب استهدفوا الشهيد فرنسوا الحريري وفي الأمس كوكبة من المناضلين الأبطال... شهداء الأول من شباط، اول أيام عيد الأضحى، وبما أننا ذقنا الويلات والضرر من هؤلاء المتغطرسين أكثر من غيرنا فمن حقنا أن نشخص أعدائنا. في الحقيقة غير القابلة للنقاش أنهم لا يتكلمون غير العربية اعتقادا منهم أنها لغة الجنة ولا يدعون سوى الإسلام ديناً لهم، يا ترى أولاد من كانوا هؤلاء إن كان العرب أولاً والمسلمون ثانياً؟، يتبرئون منهم. ثم من قام بتنشئهم وتربيتهم، ومن أي أيديولوجية وفلسفة يتغذون؟ ومن زرع فيهم هذا الحقد والكراهية ضد المجتمعات التي لا تتفق معهم في الدين والعرق بل مع كل من يخالفهم الرأي والعقيدة التي يؤمنون بها؟ المهزلة والمصيبة هي الأكذوبة المفضوحة لكل العالم بحيث يدركون انه لا يخلق شي من العدم وكل الدلائل تشير إلى أنهم لم يأتوا من الخيال وأن واقع وناتج فلسفة إنكار الآخر تولِّد هذا. داعش هو الوليد غير الشرعي للحركات السياسية والإسلامية بدءاً من الأخوان وحماس وجهاد والقاعدة ومن لف لفهم...... وبما أن الأهداف مشتركة والآليات واحدة والعقائد هي ذاتها فهناك من يضعون رؤوسهم في التراب كالنعام ويظنون أن من حولهم لا يدركون حقيقتهم. هذه الأسطر أعلاه نتمنى أن تلقى اذانا صاغية لإتمام معركتنا المقدسة ضد داعش واشباهها على طول أكثر من 1000 كم وتقوية وتعزيز الجبهة الداخلية لأنه لايقل أهمية عن الجبهة الأمامية لساحات الشرف... ولا ننسى موقف القادة عندما اشاروا الى محاربة الفكر التكفيري في اكثر من مناسبة، ففخامة رئيس اقليم كوردستان مسعود بارزاني اكد مراراً وتكراراً ان محاربة داعش يجب ان يكون فكرياً أيضاً الى جانب المحاربة العسكرية، وفي كلمته الأخيرة بأكاديمية الحزب في حفل تخرج الكوادر في 10/آذار/2016 اكد مرة اخرى على ضرورة محاربة هذه الفئة الضالة فكرياً ايضاً، كما اكد القادة الكورد الآخرين ايضاً فكرة محاربة داعش فكرياً واقتصادياً امثال الأخ نيجيرفان والإخوة فاضل ميراني ومسرور بارزاني. إضافة الى دور الأستاذ قادر قجاغ عميد أكاديمية الحزب وإني فخور بكوني عضوٌ فيها وخريج الدوره التاسعه 1991.