عبدالكريم الكيلاني

هل حقاً لدينا تجارب حقيقية في المجالات السياسية والمجتمعية والاقتصادية، أم هي مجرد اشكال باهتة لا تلامس روح التجريب والتطوير الجمعي في مجتمعاتنا الشرقية البائسة؟.

هذا السؤال المهم علينا الوقوف عنده لمراجعته بشكل دقيق لاستنباط الأجوبة المتشعبة التي قد تريح ذاكرتنا المتعبة التي أصيبت بداء الحيرة الساخطة على التفاصيل التحليلية لما نحن عليه من تخبّط وانحدار وتشتّت.

بداية علينا أن نعرف بأن التجربة هي ما يُعملُ أَوّلاً لتلافي النقص في شيء وإِصلاحه بغض النظر عن المجال الذي يتم التحرك فيه لانجاح المسعى هذا، وبنظرة بسيطة على التجارب الهائلة السابقة التي حصلت في مجتمعاتنا الشرقية طوال السنين الماضية والتي لم تنتج عنها سوى الخراب والتدهور وخلفّت المزيد من الحروب والنزاعات وهضم الحقوق وتفشي الفساد بأعلى مستوياته وبأقذر أنواعه وفسحت المجال أمام التدخلات الخارجية للعبث في مقدرات وقرارات شعوب المنطقة، وأجزم أن التجارب كلها لم تنجح بل زادت الطين بلّة حتى وصل الأمر الى حالة من الفوضى العارمة واعادت الى اذهاننا صور العيش في العصور الحجرية التي كنا قد قرأنا عنها كثيراً فيما مضى.

اضف الى ذلك السطحية التي تعالج من خلالها المشكلات بمحتلف أنواعها واشكالها سواءً كانت تلك المشكلات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، فهل بعد هذا كله علينا أن نستمر في الخَبَل الذي نعيش في اكنافه أم علينا أن نراجع خطواتنا البائسة وأفكارنا الرجعية التي أنهكت جسد الحياة التي نعيشها في هذه الزاوية من العالم؟

هل أنتجت الثورات التي أشعلت نيرانها في المنطقة حياةً أفضل للشعوب المقهورة أم كانت وبالاً على الملايين وشتتهم في بقاع الارض واصقاعها؟

هل الحكومات الجديدة التي رَكَبَتْ ظهور تطلعات المواطن الشرقي كانت نزيهة وعادلة في حكمها أم أنها أنتجت أشكال أخرى من الديكتاتوريات التي طعنت الحياة بسكاكين العبودية الجديدة؟

اسئلة كثيرة ولدت من رحم السؤال الأهم الذي أصابه العقم ولم يتمخض عنه الجواب الشافي الذي ما زلنا نبحث عنه بين طيات الموت اليومي والجهل المتفشي والفساد المستشري والمعيشة الملوثة بفايروسات الاضطهاد والقهر.

المانيا وبعد خروجها من الحرب العالمية الثانية التي أودت بحياة 5 ملايين مواطن استطاعت أن تعيد بناء نفسها بسرعة واصبحت من الدول التي وصل اقتصادها الى مراحل عالمية متقدمة مستفيدة من تجارب الحرب، فكانت تجربتها تجربة ناجحة بحق لأن نية الاصلاح والتطوير كانت حاضرة بشدة في تفاصيل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لهذه الدولة العظيمة بابنائها.

سنغافورة التي تعتبر من اصغر دول قارة اسيا واقلها مورداً، البلد الذي يتكون من أجناس وثقافات مختلفة كالصينيين والهنود والمالاويين، استطاعت انجاح تجربتها بالارادة والاصرار  واصبحت من الدول المذهلة ومركزاً لاستقطاب السياح واصحاب رؤوس الاموال للاستثمار فيها .

التجارب الناجحة كثيرة جداً في دول كماليزيا والصين والبرازيل وكوريا الجنوبية، وهذه الدول ليست لها حضارة ك( حضاراتنا الشرقية وماضينا العريق )، لكنهم كانوا صادقين مع انفسهم وامتلكوا ارادات قوية أهّلتهم للمضي قدماً نحو الرخاء والسلام والازدهار، ونحن مازلنا نتشدّق بتجاربنا ( الناجحة ) التي هي من أفشل التجارب، لم تودِ الا الى المزيد من الضعف والهوان والتفكك والتشرذم، ربما تكمن مشكلتنا في ايلاء السطحية اهتماماً اكبر من الارادة الحقيقية لانجاح تجارب التطوير والتأهيل والبناء بشتى أنواعها.

السؤال هنا هو متى سنتوقف عن الضحك على ذقون بعضنا وانفسنا ونتحرك بجديّة نحو الاستقرار والبناء والتطور، أما آن لنا أن نوقّف حملات القضاء على انفسنا ومجتمعاتنا ونخلّص مستقبلنا من الدمار المنظم الذي نعيش في مستنقعه الآسن؟