الدکتور سامان سوراني

لقد مهدت الثورة الكوبرنيکية (نسبة الي الفلكي المشهور نيکولاس کوبرنيکوس 1472-1543)، التي قوت وضع الإنسان بإعتباره ذاتاً مشرعة، للكانطية (نسبة الي الفيلسوف الألماني إمانوئيل كانط 1724-1804) بتأسيس أخلاق غيرية، تقوم علي الإعتراف بوجود الغير بإعتباره كياناً إنسانياً مستقلاً. فبحسب كانط ليس هناك ماهو أكثر قداسة في العالم من حقوق الناس الآخرين.
بعد أن أصبح مسار إقليم كوردستان نحو الإستقلال واضح المعالم لتقديم نموذج مثالي للدولة المدنية بكافة معاييرها في المنطقة والعالم، يتهيء شعب كوردستان قيادةً و أحزاباً للإرتقاء الي مقام يسنح له ترتيب البيت الداخلي وإستقلال المجتمع المدني و تحقيق النظام البرلماني و توحيد المؤسسات العسکرية والأمنية و تقوية مقومات التواصل بعيداً عن التجاذبات والكيديات والهويات المتنافية.
إن أخطر مايتضمنه إقصاء الآخر هو إنبثاق العبودية وإمحاء الحرية. هذا الإنبثاق يكشف سيادة نظام شمولي يطمس كل إنفتاح للذات تجاه العالم. فعدم إقرار الحق التاريخي لشعب كوردستان دون إنتقاء في العراق والإجحاف بالواقع الإجتماعي الكوردستاني علي مدي قرن من الزمان أدي في النهاية الي إستفحال القضية الكوردستانية و سعي قيادات شعب كوردستان في إيجاد صيغ أخري لتحقيق الهدف المنشود.
الكثير من المهتمين بقضية شعب كوردستان يتجاهلون نقطة جوهرية مهمة، ألا وهي رأي شعب كوردستان في أحوالهم.
نحن اليوم نعيش في القرن الواحد والعشرين، هناك حق لتقرير مصير الشعوب مدون في إتفاقيات دولية، موقعة من قبل الدول الأعضاء في المجتمع الدولي.
إن تأسيس الکونية هو نتاج لإستقلالية الشعب الذي يرتهن بالحرية من حيث هي شرط وجودي وأخلاقي للأنا والآخر معاً.
وإذا کانت الکونية الکونية قاعدة شرطية للمساواة بين الشعوب بإعتبار طبيعتهم المستقلة، فإنها لاتعني غياب الخاصية الفردية، التي تجعل الشعب يعيش وفق کيفيته الخاصة.
إن أمراض التعصب اللامتسامح والشوفينية المقيتة تقود الي الإنسلاخ عن الماهية الإنسانية، بوجودها تحل الهوية المصبوغة بالإستعلائية و إقصاء الآخر المختلف محل الهوية الإنسانية فتحول الرؤي الثقافية المؤدلجة طائفياً والأحکام القوموية دون فهم الآخر وإقامة علاقات مسؤولة مبنية علي الإحترام تجاهه. 
إن الإختيار الطوعي لإقليم كوردستان في الشراكة مع بغداد لتشکيل عراق حُرّ ديمقراطي فدرالي لا يمنع الإقليم في الإستغناء عن هذه الشراکة بعد أن تبيّن لە بأن الشريك لايکنّ أقل إحترام لحقوقه المشروعة في إختيار سبيله في الحياة.
کيف يطالب من شعب كوردستان أن يتخلي عن خاصيته الثقافية والتاريخية و غيريّته المميّزة و ميولاته الخاصة التي تمليها عليه إرادته الحرة لکي يکون خاضعاً لأوامر ونوايا تيارات نكوصية تعجز عن استيعاب ثقافة التقدير وإحترام الآخر و تهدد بإستمرار أمن أفراده و فلسفة التعايش السلمي لمجتمعه المدني المسؤول بالإعتراف بكل الإختلافات والإعلاء من كل ممارسة دينية كانت أو مدنية تحترم القانون؟
إن وصول الكورد إلى حقوقهم المسلوبة سيکون عاملاً أساسياً في عيش المنطقة في الاستقرار وتحقيق المساواة بين أهالي المنطقة، التي تضم قوميات وأديان ومذاهب مختلفة، لا العکس.
لاينفع المجتمع الدولي إهمال إرادة وحق شعب كوردستان في الإستقلال وهو الذە يأخذ التطور الميثولوجي، أو ما يمكن تسميته (السوسيومودرنية) المعتمد علي المعايير العالمية الموحدة للحقوق السياسية والمدنية والشخصية للإنسان بجدية ولا يريد بعد اليوم العيش مع أصحاب العقليات التي تقوم بالحملة التبشيرية من أجل المركزية، يقرر بالإستفتاء إستقلاله ولا يريد أن يکون شريكاً مع کيانات و جهات داخلية وخارجية تروّج للطائفية والمذهبية الدينية .
و ختاماً: المتغيرات فرصة لا كارثة و الجديد غني لا فزاعة و من يريد أن يعيد زمن المعجزات ينسي بأنه يعيش اليوم عصر الشعوب.